أقلام

بروفيسور عصام كباشي يكتب…السم العقب النار

خبير في الأغذية

أصبح أمر البيئة من أولويات الحكومات و المنظمات و الأفراد و أمتدّ الأمر ليشمل مشردي المجتمع أيضاً . فكم أعجبني العمل الدؤوب لمن يُعرفون في السّودان بالشمّاسة في جمع المخلفات البلاستيكيّة و التي يبيعونها و يتكسّبون من ذلك. ولعله لا يفوت على فطنتكم الآثار المعاشيّة و الإجتماعيّة و غيرها المترتبة على هذا النشاط. و كان أن دوّنت مقالاً في صحيفة الراي العام بعنوان “الشمّاسة البيئيون الجدد” و الذي لقى إستحساناً من طيف واسع من السادة القرّاء. حسناً، إذاً ما الفائدة من سرد ذلك؟ أقول أننّي من المهتمين جدّاً بأمر البيئة و بدرجة تقل قليلاً جدّاً من الهوس و الذي أتجنبه بالعمل و الفهم المتوازن لمشاكل البيئة المعقّدة جدّاً جدّاً و التي تمتد من التلوّث البسيط بالمخلّفات العضويّة إلى التغيّر المناخي و إرتفاع درجة حرارة الأرض ما يجمع بين دول العالم النامي و العالم المتطوِّر! .

و في هذا الزخم المتلاطمة أمواجه من التلوّث البيئي يأرقنّي أمران: أوّلهما حرق النفايات البلاستيكيّة في الأحياء و وسط سكن المواطنين و الذي ينتج عنه الدايوكسين القاتل و المسرطن علاوة على الروائح و الأدخنة المسبّبة للحساسّيات و التي أصبحت الآن ضروبٌ و شكول. أمّا عن التلوّث الغذائي فهنالك طيفٌ واسع من ألوانه و لكن تبقى مشكلة السموم الفطريّة مارد التلوّث في هذا العصر. و السموم الفطريّة تفرزها عدد من الفطريّات منها الأسبيرقلّس الذي تفرز مجموعته سموم الأفلاتوكسينات الشهيرة كما تضم سموم الأوكراتوكسينات و التي تنتجها نفس المجموعة أيضاً. و هنالك مجموعات أخرى تنتج سموم الفيومسينات و غيرها. و كل هذه السموم توجد في الغلال و اللحم و الجبن و المكسرات و الزيوت و الألبان و التي غالباً ما تحوي افلاتوكسين م و هو ناتج من أفلاتكسين أ. و ما يجمع كل هذا الشتات من السموم و الملوّثات أنها لاتتكسّر إلا في درجة حرارة تساوي أو تفوق الثلاثمائة درجة مئويّة ما يؤثّر كثيراً على النوعيّة و الجودة الغذائيّة. و هذه السموم تنتج من التخزين السيئ و العلف و الأكل الملوّث أيضاً و الرطوبة و الحرارة العالية. و تتسبّب هذه السموم في إعاقة النمو عند الأطفال و أمراض الميكوتوكسيكوسيس و هي عصيّة التشخيص في الأعداد القليلة من المرضى.

عزيزي القارئ إنّ بعض الأمثال مضللّة و غير شاملة كالمثل القائل ” ما في سمّاً عقب النار” و هو غير صحيح مطلقاُ في حالة هذه السموم الفطريّة فغلي اللبن لا يخلّص من السموم الفطريّة كما أوضحنا سلفاً. وبما أنّ تلوّث الأطعمة بهذه السموم شبه حتمي يبقى الأهم هو التركيز على معالجتها فيما يعرف بالإدارة المتكاملة. هذا ما سنتناوله في القادم من موضوعات بعون الله. هذا مع دعواتنا لكم بتمام الصحة و العافية و رمضان مبارك و صوماً مقبولا.

زر الذهاب إلى الأعلى